الانقلاب على المبادئ

الانقلاب على المبادئ

  • الانقلاب على المبادئ

افاق قبل 2 سنة

الانقلاب على المبادئ

المحامي علي ابوحبله

مِن أقسى ما يمكن أن يوجَّه إلى أي شخص أو جماعة أو اتجاه من نقد، هو أن يوصم بغياب المبادئ، وأنهم يدورون حول رؤية مصلحية نفعية لا تستند إلى مبدأ شريف تناضل من أجله وتقدم نفسها مستمسكة به، وأن ما تقوله بلسانها لن تجد له رصيداً على أرض الواقع، وما كان لهذا النقد أن يكون شديداً على النفوس إلا لأن ثمّ إيماناً عميقاً بأهمية المبادئ لدى جميع الناس على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.

والغريب ان من يدعون تمسكهم بالمبادئ التي يدعون انهم تشربوها تجدهم تارة تحت عباة العلمانيه وتارة اخرة اخرى وقد لبسوا ثوب الاسلام ونهج الدعوه هذا التناقض في شخصيتهم المعقده  يتناقض كليا مع صفة الاستمساك بالمبدأ متجلية في أصدق صورها كما هي لدى المنهاج الإسلامي الذي هم عليه كما يدعون ، فمن خصائص هذا المنهاج أنه يقوم على مبادئ وأصول راسخة ثابتة يجب الاستمساك بها، وبقدر ابتعاد أي شخص أو جماعة أو اتجاه عن هذه المبادئ بقدر ما يخلع عن نفسه شرف الانتساب إلى هذا المنهاج، فالانتساب إلى المنهاج الإسلامي يتطلب الاستمساك بعدد من الأصول والثوابت الشرعية، والدعوة إليها، والاجتماع عليها، ولهذه المبادئ تفصيلات كثيرة تجب مراعاتها، كل هذا يجعل المنهاج الإسلامي قائماً على منظومة متكاملة من المبادئ تحكمها أصول وقواعد محكمة. لكن شخصية من يدعون انهم على نهج الاسلام تتعارض وشخصيتهم المضطربه ونفسيتهم المريضه لانهم وبحقيقة  تصرفاتهم ومسلكهم مخادعون  هكذا تثبت تصرفاتهم وتؤكد حقيقة نوازعهم وحبهم لذاتهم فهم متقلبون ومزاجيون وفاقدين للثقه

فخلاصة هذا أن الأحكام في الإسلام تقوم على مبدأ، فما تقوله بلسانك – مما تجيزه الشريعة - ستلزم به بقية أركانك وستلزم شرعاً أن لا يكون الواقع على خلافه، وحين تستحضر هذا جيداً سيفسر لك كثيراً من الاختلافات المعاصرة بين المنهاج الإسلامي وغيره، فالصرامة الشديدة في الاستمساك بالمبادئ تجعل الشخص يراعي مطابقة كلامه لواقعه، وأما من ليس لديه هذه الصرامة فإنه ممكن أن يقدم بلسانه وبقلمه غاية ما يحلو له من مثاليات مدهشة وربما يبالغ فيها ولا يبالي، لأن ثمّ انفصالاً بين التقرير النظري والواقع العملي.

ونحن هنا نتحدث عن المثقفين والمفكرين الذين يفترض أن يكونوا أقرب لمبادئهم وأكثر حميّة لها، وأما القوى السياسية فانتهاكها للمبادئ أصرخ من أن يحتاج إلى بيان، بل حقيقة المبادئ التي ترفعها كثير من القوى السياسية هي أنها وسيلة ومطية للمصالح الضيقة التي غالبا ما تخدم مصالحها

فحين نذم الآخرين على انقلابهم على مبادئهم لا يصح أن نسلم لهم بهذه المبادئ حتى لا نشاركهم في جناية الانقلاب، لأننا نحاسبهم على مبادئهم لا مبادئنا، فحين ننكر على الليبرالي أنه أصبح يجيز تقييد الحريات الفكرية، لا يصح أن نقول نحن إننا لا نقيد الحريات الفكرية حتى يكون نقدنا منسجماً، فنقدنا ليس لرأيه في تقييد الحريات، بل لكذبه وخداعه حين يقرر شيئاً ثم ينقضه في أرض الواقع. انه انقلاب على المبادئ، ولا يصح أن نجعل هذا سبباً لأن نقبل نحن حرية تبيح اتهام الغير بالفساد وغيرها من تهم التضليل حتى لا ننتقد الآخرين بما لا نفعل، لأننا هنا نحاكمهم إلى مبادئهم لا مبادئنا، وعليهم أن يحاكموننا إلى مبادئنا لا مبادئهم.

التعليقات على خبر: الانقلاب على المبادئ

حمل التطبيق الأن